الكتاب المقدَّس: إِضرامُ اللذَّة المسيحيَّة
7 نَامُوسُ الرَّبِّ كَامِلٌ يَرُدُّ النَّفْسَ. شَهَادَاتُ الرَّبِّ صَادِقَةٌ تُصَيِّرُ الْجَاهِلَ حَكِيمًا. 8 وَصَايَا الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ تُفَرِّحُ الْقَلْبَ. أَمْرُ الرَّبِّ طَاهِرٌ يُنِيرُ الْعَيْنَيْنِ. 9 خَوْفُ الرَّبِّ نَقِيٌّ ثَابِتٌ إِلَى الأَبَدِ. أَحْكَامُ الرَّبِّ حَقٌّ عَادِلَةٌ كُلُّهَا. 10 أَشْهَى مِنَ الذَّهَبِ وَالإِبْرِيزِ الْكَثِيرِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَقَطْرِ الشِّهَادِ. 11 أَيْضًا عَبْدُكَ يُحَذَّرُ بِهَا، وَفِي حِفْظِهَا ثَوَابٌ عَظِيمٌ.
اللذّة المسيحيّة ليس معناها أنّ كُلَّ يومٍ مع المسيح سيكون أحلى مِن سابِقه. قد تأتي أيّامٌ عَصيبةٌ يكون فيها طعم الحياة في مَرارة الحَنظَل، أو ثمرة الكاكى وهي نيِّئة. وأيّامٌ أُخرى نَختبِر فيها أحزاناً يَنفطِر مِن هَولِها القلب. أحياناً يَنتابُنا الخوف ويُنهِك أعصابنا، وأحياناً أُخرى يَغزونا اليأس والإحباط لدرجةِ أنّنا لا نَقوى على السَّير مسافة قصيرة، مثلاً مِن مكان موقف السَّيارة حتّى مدخل البيت لا نَلبَث أن نَرتمي على العُشب أمام المنزل وننفجر بالبُكاء.
فكُلّ يوم مع الرّبّ ليس دائماً أحلى مِن الّذي قَبْله. الاختبار العمليّ يؤكد تلك الحقيقة وأيضاً الإعلان الكتابي. في المزمور 19: 7 يقول مُرنِّم المزمور: "نَامُوسُ الرَّبِّ كَامِلٌ يَرُدُّ النَّفْسَ". فَلَو أنّ كُلّ يوم مع الرّبّ أحلى مِن الّذي قَبْله فما كُنّا بحاجة إلى رَدِّ النَّفْس (أي إنعاشها ونهضتها).
الكتاب المقدّس يُؤجِّج مشاعر الفَرَح:
السّبب الذي مِن أجله سبَّح داوود الرّبّ بهذه الكلمات: "إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي. يَرُدُّ نَفْسِي" (مزمور 23: 2)، أنَّه رأى أيّاماً سيّئةً وصعبةً. لقد مرَّت أيّامٌ في حياته كانت نَفْسُه فيها تحتاج إلى أنْ تُرَدّ. وهذه الْجُملة ذاتها وردت ثانية في مزمور 19: 7: "نَامُوسُ الرَّبِّ كَامِلٌ يَرُدُّ النَّفْسَ. شَهَادَاتُ الرَّبِّ صَادِقَةٌ تُصَيِّرُ الْجَاهِلَ حَكِيماً". إنّ حياة المسيحي عِبارة عن عمليّة مُتكرِّرة تحتاج أنْ تُرَدّ وتُجَدّد وتَنتعِش بين الحين والآخَر، لأنّ فَرَحنا في هذه الحياة هو فَرَحٌ مُتقطِّعٌ ومُتقلِّبٌ، تارةً يعلو وتارةً يهبط، وهو عُرضَةٌ لهَجَمات الشَّيطان. تماماً مثل جنود في قاعدة عسكرية يتعرّضون لهجوم وهُم عُزّل من الأسلحة الدّفاعية والهجوميّة. حينما يقول بولس في 2 كورنثوس 1: 24: "لَيْسَ أَنَّنَا نَسُودُ عَلَى إِيمَانِكُمْ بَلْ نَحْنُ مُوَازِرُونَ لِسُرُورِكُمْ. لأَنَّكُمْ بِالإِيمَانِ تَثْبُتُونَ". يجب أنْ نُركِّز على هذا بالشَّكل الآتي: "نحن مُعاوِنون لَكُم مِن أجل فرَحَكم". إنّ ثبات فرَحنا في الرّب يتطلَّب عملاً كما لو كُنّا في حالة حرب، لأنّ خصمنا إبليس يجول حولنا كأَسَد زائر نَهِمٍ، على استعدادٍ دائمٍ لتدمير هدفٍ واحدٍ ألا وهو بَهجَة الخلاص أي فَرَح الأيمان. إلاّ أنّ الرّوح القدس أعطانا تُرساً اسمه تُرس الإيمان، وسيفاً اسمه سَيف كلمة الله، وقوّةً هي قوّة الصّلاة للدِّفاع عن الفَرَح واستمراره. عندما ينفخ الشّيطان وينفُث غضباً ويحاول جاهداً أن يُطفىء الفََرَح المُتأجِّج فى قلبك، اِعلَمْ أنّ لديك في كلمة الله مَعونة غير محدودة. لَو وجدتَ أيّاماً تشعُر فيها أنّ كُلّ الْجَمر الّذي فيك قد انطفأ ، إلجأ إلى كلمة الله صارخاً للآذان التي تسمع وفي الحال ستُضرَم المشاعِر الباردة وتتأجَّج مِن جديد، لأنّ ناموس الرّبّ كامِل يَرُدّ النّفْس وكلمة الله هي وحدها التي تُضرِم اللذّة المسيحيّة.
هدفي الآن أنْ أُناشِدك مُشجِّعاً إيّاك لتأخذ سَيف الرّوح الذي هو كلمة الله، وتُجيد استعماله لتُحافِظ على فَرَحك في الرّبّ. ثلاث خَطَوات يجب علينا أن نَخطيها معاً: الخُطوة الأُولى، علينا معرفة لماذا نقبل الكتاب المقدّس ككلمة الله؟. إنّ كُلّ شخص في العالم تقريباً سيوافقنا الرّأي لو قُلنا: "إنْ كان الله ذاته تكلّم بشيء فلَن تكون هناك سعادة تدوم لِمَن يتجاهل كلامه". إلاّ أنّه رُبّما القليل مِن النّاس يُؤمِن أنّ الكتاب المقدّس هو كلمة الله الحيّ. الخُطوة الثّانية، إنّنا بحاجة إلى رؤية نماذج مُشجِّعة تُظهِر كيف أنّ كلمة الله تُضرِم أفراحنا. الخُطوة الثّالثة والأخيرة، نحن بحاجة إلى سَماع تحريض عمليّ لتجديد تأمُّلنا اليوميّ في كلمة الله، حتى نحمل هذا السَّيف ونتمسَّك به جيّداً ونتَمَنطَق به ولا نسير بدونه أبداً.
المسيح هو أساس الوثوق فى الكتاب المقدّس:
خُلاصة القَول هُنا، إنّ أفضل شيء أفعله لك الآن، أنْ أَذكُر لك في عُجالة سَبَب قبولي للكتاب المقدّس ككلمة الله وهو أنّ أساس هذه الثِّقة والقبول هو: يسوع المسيح. أنت لا تحتاج أن تؤمن أوّلاً أنّ الكتاب المقدّس معصوم، لكَي تعرف أنّه يُقدّم لك شخصيّة تاريخيّة لا يُضاهيها أحد في خِصالها. أمّا احتِماليّة أن يدّعي أحد أنّ شخصيّة المسيح التّاريخيّة هي من وَحي فنّان أو مِن نَسْج خَيال، فأنا أَستبعدها تماماً وأَقدر أن أعترف وأشهد أنّ المسيح حقيقيّ وحَيّ. إنّ تعاليمه ليست بغَرَض الدِّعاية أو افتراضات ناتِجة مِن حالة انفِصام في الشّخصيّة، حاشا. لقد كان يتكلَّم بسُلطان ويغفر الخطايا ويَشفي المرضى ويُخرِج الشَّياطين. كان يعرف أفكار المُقاوِمين ويُحِبّ أعداءه ويموت مِن أجل الُخطاة، ويترك مِن خلفه قبراً فارغاً، لأنّه ابن الله الحيّ الأبديّ الّذي جاء إلى العالم. لقد اكتسب ثِقَتي بفَضل أقواله وأفعاله.
انطلاقاً مِن معرفتي بالمسيح، رجعت إلى العهد القديم ثم عدت إلى العهد الْجديد، ووجدت أنّ الأناجيل الأربعة تُقدِّم أدِلَّة مُختلِفة على أنّ المسيح يَظهر في العهد القديم أنّه كلمة الله. في متّى 5: 17 قال المسيح: "لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ". وفي متّى 22: 29 قال: "تَضِلُّونَ إِذْ لاَ تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ". وفي مرقس7: 8-9، يُقارِن المسيح بين العادات البشريّة والوصايا الكتابيّة في العهد القديم. أمّا في لوقا 24: 44 فيقول المسيح للتّلاميذ إنّ كُلّ ما هو مكتوب عنه في ناموس موسى والأنبياء والمزامير لابُدّ أنْ يتمّ، وفي يوحنّا 10: 35 قال ببساطة: "وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يُنْقَضَ الْمَكْتُوبُ". ومِن ثُمّ فأنا أقرأ الكتاب المقدّس على أنّه كلمة الله، لأنّ المسيح ذاته فعل ذلك.
سِتُّ ملاحظات على العهد الْجديد بصِفَته كلمة الله:
لَمْ يمكُث المسيح على الأرض ليَشهد للعهد الْجديد، لكن ثقتي في العهد الْجديد بأنّه كلمة الله تستند لمجموعة مِن الملاحظات تُظهِر في مُجمَلِها أنّها ثِقة مُبرَّرة:
- اختار المسيح اثنَي عشرَ تلميذاً ليكونوا المُمثِّلين الرّسميِّين المُكلَّفِين مِنْهُ لتأسيس الكنيسة، ووَعدَهُم في نهاية أيّامه على الأرض: "الرُّوحُ الْقُدُسُ ...يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ ما قُلْتُهُ لَكُمْ".(يوحنّا 14: 26، 16: 13).
- ثُمّ يأتي بولس الرّسول الّذي كان اختِباره مُذهِلاً (حيث تحوَّل مِن حياةِ قَتْلٍ للمسيحيّين إلى حياةٍ تدعو للمسيحيّة)، ليُوضِّح أنّ المسيح المُقام أَرسَله مع الرُّسُل الآخَرين ليَعِظوا: "لاَ بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهُا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ"( 1 كورنثوس 2: 13)، لقد تمَّت نبؤة المسيح بهذا الإعلان.
- يُؤكِّد بطرس أيضاً هذا في (2 بطرس 3: 16) بوضع رسائل بولس في بَوتَقة واحدة ، وأشار إلى هذا في (2 بطرس 1: 21 ) مع ما جاء أيضاً في العهد القديم.
- كُلّ ما كُتِبَ في العهد الْجديد جاء مِن تلك الأيّام السّالِفة للإعلان الخاصّ الموعود به للرُّسل والتّلاميذ.
- الرِّسالة التي وردت في هذه الأسفار تحوي لُبّ الحقّ وتعكس الكثير مِن الوقائع ذات المصداقيّة والسِّياق الواحد. تتناول مِن جهة رسالة قداسة الله وخطيّتنا، ثمّ مِن جهة أُخرى موت المسيح وقيامته كرجاء واحد أَوحد. هذه الرّسالة الواحدة تتناسب مع الحقيقة التي أدركناها، والرّجاء الذي نتوق إليه ولم نَرَهُ بعد.
- أخيراً، وكما قال أحد الرُّعاة المعمدانيّين: "إنّ الكتاب المقدّس يُبرهِن مِن ذاته أنّه كلمة الله...فقُوّته تُغيِّر الخُطاة، وتُنير بَصيرة القدّيسين".
لهذه الأسباب عندما أقرأ الكتاب المقدّس بعهدَيه الْجديد والقديم، فإنّي أقرأه على أنّه كلمة الله، فالله ليس بِصامِتٍ في حياتي، فهو يتحدّث بدِقّة عن كُلّ الأمور. وإنّي أَحسِبُ هذا لعملاً رائعاً للنِّعمة في حياتي قَصَدَه لي لأفهم كلمته وأُعلّم في كنيسته. حينما يتحدَّث الكتاب المقدّس فإنّ الله هو الّذي يتحدّث، وهذا يعني أنّ كُلّ ما قيل عن كلمة الله في الكتاب المقدّس ينطبق على الكتاب نفسه. لقد كنتُ مُتحمِّساً ومُتأثِّراً جدّاً أثناء إعداد هذه المادّة لنرى معاً الكثير الذي لدى الكتاب المقدّس ليقوله عن قيمة كلمة الله، وكم لدينا مِن كُنوز في كُلّ كلمة فيه، "أَشْهَى مِنَ الذَّهَبِ وَالإِبْرِيزِ الْكَثِيرِ وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَ قَطْرِ الشِّهَادِ" (مزمور 19: 10).
كلمة الله هي حياتك:
هذا يقودنا إلى الخُطوة الثّانية، وهي بعض الأمثلة التي تُوضِّح كيف أنّ الكتاب المقدّس له قيمة عظيمة لنا. لماذا حياة التّأمُّل في الكلمة المقدّسة هي حياة الفَرَح؟. رُبّما ستَنسى الصِّفات الكثيرة التي أُريد أنْ أُعبِّر بها عن أهميّة الكلمة، لكن ما أرغب أنْ لا يُنسى هو قيمة تأثير الكتاب المقدّس نفسه الذي أُريدك أن تقرأه بانتظام وبعمق أكثر، وبفَرَح أعظم. تأمَّل في الفوائد التّالية:
في تثنية 32: 46 -47، قال موسى: "وَجِّهُوا قُلُوبَكُمِ إِلَى جَمِيعِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي أَنَا أَشْهَدُ عَلَيْكُمْ بِهَا الْيَوْمَ لِكَيْ تُوصُوا بِهَا أَوْلادَكُمْ لِيَحْرِصُوا أَنْ يَعْمَلُوا بِجَمِيعِ كَلِمَاتِ هذِهِ التَّوْرَاةِ. لأَنَّهَا لَيْسَتْ أَمْراً بَاطِلاً عَلَيْكُمْ بَلْ هِيَ حَيَاتكُمْ". الكتاب المقدّس ليس بأَمْرٍ باطِلٍ، بل هو موضوع حياةٍ أو موتٍ. وإذا تعامَلْتَ مع كلمة الله على أنّها شيءٌ ضئيلٌ، فستخسر حياتك. فحياتنا الْجسديّة تعتمد على كلمة الله لأنّ بكلمته نحن خُلِقنا (مزمور 33: 9، عبرانيّين 11: 3). "حَاِملٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ" (عبرانيّين 1: 3). كما أنّ حياتنا الرّوحيّة بدأت بكلمة الله: (يعقوب 1: 18) "شَاءَ فَوَلَدَنَا بِكَلِمَةِ الْحَقِّ"، و" مَوْلُودِينَ ثَانِيَةً لاَ مِنْ زَرْعٍ يَفْنَى بَلْ مِمَّا لاَ يَفْنَى بِكَلِمَةِ اللهِ" (1 بطرس 1: 23). إلاّ أنّنا لَم نولَد بكلمة الله وحسب، بل إنّنا ما زِلنا نحتاج إليها لنحيا بها: "لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللهِ" (متّى 4: 4، تثنية 8: 3). هكذا نرى أنّ حياتنا الماديّة خُلِقَت بكلمته، وحياتنا الشّخصيّة والرّوحيّة تتجدَّد وتنتعِش بكلمة الله أيضاً. لِذا، الكتاب المقدّس "ليس باطِلاً، إنّه حياتك".
كلمة الله تُنتِج إيماناً وفَرَحاً:
كلمة المسيح تعطي حياة لأنّها تجلُب إيماناً، يقول يوحنّا: "وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَياةٌ بِاسْمِهِ" (يوحنّا 20: 31). ثُمّ "إِذاً الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ" (رومية 10: 17). إنّ الإيمان الّذي يقود حياتنا في المسيح، والإيمان الذي نحيا ونستمر به في علاقتنا معه، يأتي مِن كلمة الله. لَو أنّ الإيمان له هذه الأهميّة الأبديّة في حياتك، فينبغي أن يكون للكتاب المقدّس الأهميّة ذاتها.
أحياناً، الإيمان والرَّجاء يأتِيان مُترادِفَين في الكلمة المقدّسة: "وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى" (عبرانيّين 11: 1). فَبِدون رجاء في مستقبلنا سنُصبِح يائسين ومُكتئِبين وسيهرب مِنّا فَرَحنا. الرَّجاء شيءٌ حَتمِيٌّ وأساسيٌّ للفَرَح المسيحيّ (رومية 15: 13). إلاّ أنّه كيف نحافظ على رجائنا؟. يُجيب كاتب المزامير في مزمور 78: 5-7: "أَقَامَ شَهَادَةً فِي يَعْقُوبَ وَوَضَعَ شَرِيعَةً فِي إِسْرَائِيلَ الَّتِي أَوْصَى آبَاءَنَا أَنْ يُعَرِّفُوا بِهَا أَبْنَاءَهُمْ .... فَيَجْعَلُونَ عَلَى اللهِ اعْتِمَادَهُمْ". كما أنّ بولس يقولها أيضاً بوضوح: "لأَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ فَكُتِبَ كُتِبَ لأَجْلِ تَعْلِيمِنَا حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ" (رومية 15: 4). إنّ الكتاب المقدّس في مُجمَلِه له هذا الهدف وله هذه القوّة : يَلِدُ رجاءً في قلوب شعب الرّبّ.
كلمة الله تُحرِّر وتُعطي حكمة:
الحريّة، عُنصُرٌ ثانٍ هامٌّ في الحياة. فلا أحد مِنّا يكون سعيداً إنْ لَم يكُن حُرّاً مِمّا يكرهه، وحُرّاً لِمَا يُحِبّه. أين نجد الحريّة الحقيقيّة؟. يقول المزمور 119: 45: "وَأَتَمَشَّى فِي رُحْبٍ لأَنِّي طَلَبْتُ وَصَايَاكَ". والمسيح ذاته يقول: "وَتَعْرِفُونَ الْحَقَّ والْحَقُّ يُحَرِّرُكُمْ" (يوحنّا 8: 32). إلاّ أنّه يفوتنا مغزى هذه النُّقطة، فهو يقول لاحقاً في يوحنّا 17: 17: "قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَقٌّ". إنّ كلام الله هو حقّ إلهيّ يُحرّرنا مِن الخِداع. إنّه يكسر قوى العدوّ، ويُطلِقنا أحراراً مِن الوقوع في شَرَك الخطيّة، "سِرَاجٌ لِرِجْلِي كَلاَمُكَ وَنُورٌ لِسَبِيلِي" (مزمور 119: 105)، "خَبَأْتُ كَلاَمَكَ فِي قَلْبِي لِكَيْلاَ أُخْطِئَ إِلَيْكَ" (مزمور 119: 11، وقارنه بما جاء في عدد 9) . إنّ وعود الله هي التّقوى المُحرِّرة والقوّة المُرشِدة، كما جاء في رسالة بطرس الرّسول الثّانية 1: 4: "اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ هَارِبِينَ مِنَ الفَسَادِ الَّذِي فِي العَالَمِ بِالشَّهْوَةِ". (قارن ما جاء في يوحنّا 15: 3). إنّ حريّة الله وإرشاده واتِّباعه جميعها تأتينا مِن خلال التّأمُّل في كلمة الله، أي الكتاب المقدّس والثّقة بما جاء فيه.
بالطَّبع لم يُجِب الكتاب المقدّس على كُلّ سؤال في الحياة. لَيس بالضّرورة أنْ نَجِدَ لكُلّ مُفتَرَق طُرُق نواجهه في حياتنا، سَنَداً أو سَهْماً كتابيّاً يُحدّد اتِّجاهنا. نحن نحتاج فَهم وحِكمة، وحتّى هاذَين الأمرَين هما هِبَتَين مِن الكلمة المقدّسة، حيث يقول الكتاب: "نَامُوسُ الرَّبِّ كَامِلٌ يَرُدُّ النَّفْسَ. شَهَادَاتُ الرَّبِّ صَادِقَةٌ تُصَيِّرُ الْجَاهِلَ حَكِيْماً. وَصَايَا الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ تُفَرِّحُ القَلْبَ. أَمْرُ الرَّبِّ طَاهِرٌ يُنِيرُ العَيْنَيْنِ" (مزمور 19: 7-8، ومزمور 119: 98). إنّ هؤلاء الّذين عقولهم شَبعانة بكلمة الله ويخضعون لأفكارها، لَهُم حكمة يَشهَد لَها الدَّهر أنّها تفوق الحكمة العالميّة.
كلمة الله تَرُدُّ النَّفْس وتُريحها:
إنّ إرادتنا المُلتَوِية وفَهمنا النّاقص يقوداننا ثانِيةً إلى أفعال حمقاء ومواقف مُؤذِية. أحياناً نقول، هذا اليوم لَيس أفضل مِن الّذي سبقه، ونحن نريد استرداداً للنَّفْس وراحة. لكن إلى أين نتَّجِه لنطلب الرّاحة؟. لنعود ونتبع كاتب المزامير ثانية: "هذِهِ هِيَ تَعْزِيَتِي فِي مَذَلَّتِي لأَنَّ قَولَكَ أَحْيَانِي... تَذَكَّرْتُ أَحْكَامَكَ مُنْذُ الدَّهْرِ يَا رَبُّ فَتَعَزَّيْتُ" (مزمور 119: 50، 52). وحينما تتهدَّد ثقتنا في الإيمان بالبَلوى والفَشَل، إلى أين نتوجَّه لإعادة هذه الثّقة؟. يدعونا يوحنّا إلى الرُّجوع أيضا ً إلى كلمة الله: "كَتَبْتُ هذَا إِلَيْكُمْ أَنْتُمُ المُؤْمِنِينَ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لَكُمْ حَياةً أَبَدِيَّةً وَلِكَيْ تُؤْمِنُوا بِاسْمِ ابْنِ اللهِ"(1يوحنّا 5: 13). إنّ الكتاب المقدّس كُتِبَ لكَي يمنحنا يَقين الحياة الأبديّة.
إنّ هدف الشّيطان الأوّل هو القضاء على فَرَحك بالإيمان، إلاّ أنّ لديك سِلاحاً قويّاً وهو سَيف الرّوح، كلمة الله (أفسس 6: 17). لكن ما لا يدركه الكثير مِن المؤمنين هو أنّهم لا يعلمون أنّه لا يمكنهم الاستعانة بسَيف موجود في قبضة شخص آخَر. فهُمْ أنْفُسهم لا يحملونه وغِمده. فإنْ لَم تكُن تُمَنْطِق به نَفْسَك، أي إنْ لَم تَثْبُت كلمة الرّبّ فِيك (يوحنّا 15: 7) فسيكون بحثك عنه باطلاً، عَبَثاً كُلّ سَعيٍ وراءه. إن لم تكُن تتسلَّح به فلَن تستطيع الدّفاع عن نَفْسك وصدّ العدوّ. أمّا إذا كُنتَ تحمله وتتمسّك به، فَيَا لك مِن مُحارِب قدير، "كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الآبَاءُ لأَنَّكُمْ قَدْ عَرَفْتُمُ الَّذِي مِنَ البَدْءِ. كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الأَحْدَاثُ لأَنَّكُمْ أَقْوِيَاءُ وَكَلِمَةُ اللهِ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ وَقَدْ غَلَبْتُمُ الشِّرِّيرَ" (1 يوحنّا 2: 14).
كرِّسوا أنفسكم لكلمة الله:
الكتاب المقدّس هو كلام الله، وكلام الله ليس بباطِل، حاشا. إنّه مصدر حياة وإيمان ورجاء وحريّة، مصدر إرشاد وحكمة وراحة وثقة ونُصرة على عدوِّنا الأكبر. هل هناك دهشة إذن أنّ أولئك الذين عرفوا ذلك قالوا "وَصَايَا الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ تُفَرِّحُ القَلْبَ" (مزمور 19: 8). "بِفَرَائِضِكَ أَتَلَذَّذُ. لاَ أَنْسَى كَلاَمَكَ" (مزمور 119: 16). "كَمْ أَحْبَبْتُ شَرِيعَتَكَ. اليَوْمَ كُلَّهُ هِيَ لَهَجِي" (مزمور 119: 97). "وَرِثْتُ شَهَادَاتِكَ إِلَى الدَّهْرِ لأَنَّهَا هِيَ بَهْجَةُ قَلْبِي" (مزمور 119: 111). "وُجِدَ كَلاَمُكَ فَأَكَلْتُهُ فَكَانَ كَلاَمُكَ لِي لِلْفَرَحِ وَلِبَهْجَةِ قَلْبِي لأَنِّي دُعِيتُ بِاسْمِكَ يَا رَبُّ إِلَهُ الْجُنُودِ" (إِرمِيا 15: 16). هل نسعى نحن أيضاً لهذه البَهجة كما يسعى إليها طالِبي اللذّة المسيحيّة؟. هل نَعي جيّداً كيف أنّ كلمة الله تُضرِم الفَرَح والبَهجة؟. هل نطلب السّعادة المقدّسة بالتّأمُّل المُنتَظَم لكلمة المسيح؟. نعم، فلابد أن نفعل هذا، حيث أنّ الرّبّ ذاته قال:"كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِكَيْ يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ" (يوحنّا 15: 11).
مِن أجل هذا، أتوسَّل إليكم أنْ لا تجعلوا دِماءَ المسيح الفادي تضيع سُدىً، ولا تجعلوا العمل الذي قام به كُلّ مِن: لوثر وميلانتشثون وكالفن وزوينجلي يصبح بلا جدوى. إنّ الله أقامهم ليوصلوا لنا الكلمة المقدسة لتُتاح لنا. إنّنا نُهين الله وقدِّيسيه لو تعامَلنا مع الكتاب المقدّس على أنّه باطِل، أو ذو قيمة دُنيا في حياتنا. لقد كتب رولاند بينتون هذه الكلمات في العام الذي شَعَرَ فيه باكتئاب عميق:
رغم أنّنا نحيا فى عالَمِ الشُّرور لكنْ لا نخشى مِن شَرٍّ يَضير
لأنّنا شعبه وهو القائد المَنصور وفي موكب نُصرته دائماً نسير
ورئيس الظَّلام إنْ يَزأَر أو يَثور فلا نهتزُّ أبداً لا نرهب أو نَكِلّ
فهلاكه آتٍ لن يبقى أَبَدَ الدُّهور فلنتحَلَّى بالصَّبر إذن ونحتمل
سيُباد بكلمة مِن الدّيَّان الغَيور لا نَجاة عندما جامُ غضبه يَحِلّ