الصلاة: قوة المتعة المسيحية
إلى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمي، اطلبوا تأخذوا، ليكون فرحكم كاملاً.
عادة ما يوجه هذا السؤال إلى كل الباحثين والساعين نحو البهجة والمتعة المسيحية وهو:" هل أنت على استعداد لأن تحزن وتتعس، من أجل مجد الله"؟ أو بمعنى آخر، هل يمكنك التضحية بمتعتك الخاصة، وبهجتك لو أنَّ ذلك سيمجد الله؟ توجيه مثل هذا السؤال، يهدف إلى وضع طالبي البهجة والمتعة المسيحية، في مأزق وحيرة، لأنَّنا لو أجبنا عنه بلا، فسيبدو الأمر وكأننا نضع سعادتنا فوق مجد الله. وإن قلنا نعم، فقد تحتمل إجابتنا افتراضاً ضمنياً، بأننا على استعداد للاستغناء والكف عن سعينا، في البحث عن الفرح الذي لنا في المسيح.
الافتراضات غير الكتابية عن الجحيم والله
لكن، وضع طالبي البهجة والمتعة واللذة المسيحية في مأزق وحيرة، أمر لا طائل منه، وبالضرورة سيفشل، لماذا؟ لأنَّ السؤال نفسه، يفترض أمرين غير حقيقيين: الأول متعلق بالجحيم، والثاني مرتبط بالله، فعندما يوجه المنتقدون سؤالاً كهذا:" هل أنت على استعداد لأن تذهب إلى الجحيم من أجل مجد الله؟ في الواقع، يغيب عن بالهم بأننا إن أجبنا بنعم لهذا السؤال، فمعنى ذلك أنَّ لدينا الكثير من الأشواق العميقة، التي تحفزنا إلى رؤية الله ممجداً في حياتنا أو مماتنا. ومن ثم، إن كان لزاماً علينا، الذهاب حتى إلى الجحيم لتمجيد الله، عندها سيصبح الجحيم أداةً نُشبع من خلالها أشواقنا تلك وبالتالي لن يبقى الجحيم جحيماً فيما بعد، فبحسب الكتاب المقدس، الجحيم معناه التعاسة الأبدية الكاملة، التي لا شبع فيها على الإطلاق.
لذا، سؤال المنتقدين مبني على افتراض باطل وغير كتابي عن الجحيم، وهو أيضاً مبني على فرضية غير كتابية عن الله ذاته، لأنَّه يضع في اعتباره، بأنَّ الله يمكن أن يتعس شخصاً، هو على استعداد لأن يحزن نفسه، ويعيش في بؤس لأجل مجد الله، وهذا افتراض غير كتابي بالمرة، إنَّ التزام بر الله، للحفاظ على مجده، معناه حفاظه على كل الذين يضعون مجده فوق كل شيء. فإله الكتاب المقدس، لا يمكنه إتعاس إنسان أحب مجد الله، وبالتالي طَرحُ سؤال" هل أنت على استعداد لأن تَتْعَسَ من أجل مجد الله"؟ هو بمثابة إهانة لبر الله، ومن الأفضل، عدم طرحه، لأنَّه يحمل كما سبق وقلنا، افتراضين خاطئين عن الجحيم والله معاً، والافتراضان كلاهما، يتناقضان مع الإعلان الكتابي.
شغفنا ومحور اهتماماتنا يتوافقان مع مجد الله
إنَّ السعي نحو السعادة المسيحية هو ليس فكر شرير يٌنَتقْد، بل الذي ًَُينتَقد هم الذين يضعون اهتماماتهم فوق اهتمامات الله، وسعادتهم فوق مجد الله. وهذا ما يفعله للأسف الشديد، مستهدفو اللذة والمتعة المسيحية، إذ في الوقت الذي نسعى فيه إلى الفرح المسيحي، نطلب سعادتنا الشخصية بكل ما أوتينا من قوة، مع أننا سبق وتعلمنا من الكتاب المقدس، بأنَّ غاية الله وهدفه وُجل اهتمامه، تعظيم مجده، من خلال فيض رحمته علينا. ومن ثم، فإنَّ سعينا نحو الفرح الحقيقي، ليس أعلى مما يريد الله منحه لنا، بل على الإطلاق، هو دائماً في قلب كينونة وإرادة الله نفسه، إنَّ الحقيقة الأسمى في الكتاب المقدس تقول، بأنَّ أعظم اهتمام لدى الله، هو تعظيم غنى نعمته التي طالما قادت الخطاة إلى التوبة وإلى التمتع به. فحينما نتضع كالأطفال الصغار- رافضين الرغبة في الاستقلال عن شخص الله- ونركض إلى حضنه بفرح، مجد نعمته سيتعاظم، واشتياق نفوسنا سيشبع. في حكمة الله وبنعمة الله، اهتمامنا بالبحث عن" الفرح والمتعة واللذة المسيحية" وطلب مجد الله، هما أمر واحد، فطالبوا الفرح المسيحي ليسوا بوثنين، عندما يسعون للاثنين معاً.
أحد البراهين على أنَّ طلب الفرح، وطلب مجد الله، هما أمر واحد، نجده في تعليم المسيح عن الصلاة في بشارة يوحنا، فالآيتان المتعلقتان بما سنثبته نجدهما في يو 14: 13، 16: 24. إحداهما تُخبرنا بأنَّ الصلاة هي طلب مجد الله، بينما الأخرى توضح لنا بأنَّ الصلاة هي طلب الفرح. في يو 14: 13 يقول المسيح:" ومهما سألتم باسمي، فذلك أفعله ليتمجد الآب بالابن". بينما في يو 16: 24 يقول:" إلى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمي، اطلبوا تأخذوا، ليكون فرحكم كاملاً". إن كان هدف الإنسان وغايته، تمجيد الله والاستمتاع به إلى الأبد، فإنَّ عمل الإنسان الأسمى، الذي يقوم بتحقيق ذلك الهدف وتلك الغاية معاً، هو الصلاة. لذلك، الساعون إلى الفرح المسيحي الكامل من خلال مجد الله، عليهم أن يكونوا رجالاً ونساءَ صلاة، تماماً كما تنحني الأيل العطشى لتروي عطشها من جداول المياه، هكذا يفعل المسيحي المؤمن عندما يجثو على ركبتيه لينهل من المراعي ويرتوي بماء الحياة.
إن كنت مثلي، قد تغير واقع ورتم الحياة معك، وازدادت أعباء وضغوطات الحياة لديك، فاضطربت حياة الصلاة عندك، أنت في حاجة إذن إلى شخص ما، يذكرك بأهمية وضرورة الصلاة، كي تستعيد من جديد فرحك الغامر وتسترد نهضتك قبل فوات الأوان، تسعى لتتأمل كلمات كنت قد قرأتها في منتصف يوم ما، أو صلاة كنت قد صليتها في الماضي القريب. نحن بحاجة إلى أوقات محددة خلال العام، نوقف فيها كل ما نفعل، كي نقوم بتعديل أي مسارات تهنا فيها عن الهدف، لنعود ونمسك بزمام الأمور. أنا آمل أن تأخذ قراراً اليوم، بأن تعيش واحدة من تلك الوقفات، لتضبط حياة الصلاة لديك.
الصلاة طلب مجد الله
تعال لنمعن النظر في موضوع الصلاة من منظور كونها طلباً لمجد الله، لأنَّ الصلاة أيضاً تتطلب فرحنا واستمتاعنا. في يو14: 13 قال الرب يسوع" ومهما سألتم باسمي، فذلك أفعله ليتمجد الآب بالابن". لنفترض بأنك- لا سمح الله- مرضت ووجدت نفسك عاجزاً عن الحركة، ولم يعد بإمكانك في هذه المحنة، فعل أي شيء، سوى استخدام فمك في الحديث. ثم جاء إليك صديق عزيز وقوي ووعدك بأنَّه سيمكث معك وسيفعل كل ما تطلبه منه، تُرى كيف ستمجد صديقك هذا، فيما لو زارك أحدهم وهو موجود؟ فعلى سبيل المثال، يمكنك أن تقول له:" صديقي العزيز، من فضك تعال، وساعدني على النهوض قليلاً، ضع وسادة خلف ظهري، كي أتمكن من رؤية ضيفي والتحدث معه، هل يمكنك من فضلك، وضع نظارتي أيضاً؟ بهذا، سيعرف ضيفك، من طريقة اعتمادك على صديقك العزيز والقوي بأنَّك متعب وواهن، ومحتاج إلى المساعدة وأنَّ صديقك هذا يقدمها لك، لأنَّه قوي ولطيف. أنت تمجد صديقك باحتياجك له، وطلبك مساعدته، والاعتماد عليه، لأنك بذلك تُظهر صفاته. في يو 15: 5 يقول الرب يسوع" أنا الكرمة وأنتم الأغصان، الذي يثبت فيَّ وأنا فيه، هذا يأتي بثمر كثير، لأنَّكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً". لأننا بالفعل عاجزون، وبدون المسيح لا نقدر أن نفعل شيئاً صالحاً ( رو 7: 18). ولكن، ولأنَّ الله يريدنا أن نكون مثمرين، ومحبين للناس، وساعين لقيادتهم إلى ملكوت السموات، لذلك وعدنا- بصفته صديقنا القوي اللطيف، الذي نعتمد عليه- أن يساعدنا، كي نفعل ما نحن عاجزون عن فعله من أجل أنفسنا. وكيف يتسنى لنا أن نمجد المسيح؟ يجيب المسيح عن هذا السؤال في يو 15: 7" إن ثبتم فيَّ، وثبت كلامي فيكم تطلبون ما تريدون فيكون لكم". إذن، نحن نصلي، ونطلب من الله أن يفعل من أجلنا بالمسيح ما لا يمكننا نحن فعله، ليجعلنا نأتي بثمر، ثم يأتي عدد 8 ليعطينا النتيجة التي نرجوها" بهذا يتمجد أبي، أن تأتوا بثمر كثير." الصلاة، هي الاعتراف الواضح بأننا بدون المسيح لا نقدر أن نفعل شيئاً، الصلاة هي التحول والابتعاد عن أنفسنا والتقرب إلى الله في ثقة ويقين، بأنَّه سيقدم لنا العون الذي نحتاج إليه، الصلاة تعمل على اتضاع نفوسنا كمحتاجين، وتعظَّم الله كمسدد لاحتياجاتنا.
هناك نص كتابي آخر، يُظهر لنا، كيف تمجد الصلاة الله، في يو 4: 9- 10، يسأل المسيح امرأة ليشرب:
فقالت له المرأة السامرية، كيف تطلب مني لتشرب وأنت يهودي وأنا امرأة سامرية، لأنَّ اليهود لا يعاملون السامريين. أجاب يسوع وقال لها لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو الذي يقول لك أعطني لأشرب لطلبت أنت منه، فأعطاك ماءً حياً.
لو كنت بحاراً وابتليت بمرض الإسقربوط، وانضم رجلٌ كريمٌ إلى ركاب سفينتك، وكانت جيوبه ملئا من فيتامين س، إلا أنَّه طلب منك شريحة برتقال، فستعطيها له. لكن، إن وصل إلى علمك بأنَّ هذا الرجل كريمٌ ولطيفٌ جداً، لدرجة أنَّه حمل إليك كل ما أنت في حاجة إليه، لتشفى وتصبح في أفضل حال، ربما كنت ستفعل العكس وتطلب منه مساعدتك.
قال المسيح للمرأة:" لو كنت تعلمين عطية الله ومن هو أنا، لكنت صليت إليَّ." هناك رابط قوي ومباشر بين معرفة المسيح معرفة جيدة والطلب منه، وبالتالي عدم الطلب منه، أو بمعنى آخر، الفشل في حياة صلاتك هو بصراحة فشل في معرفتك بالمسيح. " لو كنت تعلمين... مَن هو الذي يقول لك أعطني لأشرب لطلبت أنت منه." المسيحي غير المصلي، يشبه سائق حافلة غرزت عجلاتها في مكان ما، وهو يحاول جاهداً إخراجها بعيداً دون جدوى، لأنَّه لا يعرف بأنَّ حافلته مجهزة أصلاً بخاصية تُعينه على ذلك، ولا يحتاج معها إلى هذا القدر من العناء. " لو كنت تعلمين... لطلبت." المسيحي غير المصلي، يشبه أيضاً شخصاً غطت جدران حائطه، كوبونات هدايا وتسوق من متجر ما، وهو مستمر بدفع أمواله في التسوق من متجر آخر، لأنَّه لا يقرأ، وبالتالي لا يعرف. " لو كنت تعلمين عطية الله و من هو الذي يتحدث إليك... لطلبت أنتِ- لطلبت أنتَ."
مضمون ذلك، أنَّ أولئك الذين يطلبون، المؤمنين الذين يقضون وقتاً في الصلاة، إنَّما يفعلون ذلك لأنَّهم يرون بأنَّ الله معطي عظيم وسخي، وبأنَّ المسيح حكيم ورحيم وذو قدرة تتعدى أي حدود، وبالتالي، هم يمجدون المسيح بصلاتهم ويكرمون الآب، ولأنَّ غاية الإنسان العظمى هي تمجيد الله، لذلك، عندما نتحول لنصير على الشكل الذي أراده الله لنا- يوم خلقنا- نصبح أناس صلاة.
الصلاة تطلب الفرح
إلا أنَّ غاية الإنسان أيضاً، هي الاستمتاع بالله إلى الأبد، وهذا يعود بنا إلى الآية التي في يو 16: 24 " إلى الآن لم تطلبوا شيئاً باسمي، اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم كاملاً." أليست هذه دعوة إلى السعي وطلب الفرح المسيحي؟ اطلب الفرح الكامل واسع له، صلِ، داوم على الصلاة. من هذه الكلمة المقدسة، نستخلص قاعدة بسيطة: قلة الصلاة، تقود إلى ندرة الفرح- لماذا؟ بينما الحياة العميقة للصلاة تقود إلى الفرح الكامل- أيضاً لماذا؟ فيما تُنتج الحياة الضحلة، لقلة الصلاة فرحاً أقل- لماذا؟ يقدم لنا المسيح سببين.
أولهما نجده في يو 16: 20-22 ، حين نبه المسيح تلاميذه، بأنَّهم سيحزنون على موته، لكنهم سيفرحون ثانية بالقيامة." الحق، الحق أقول لكم أنَّكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح، أنتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول إلى فرح. المرأة وهي تلد تحزن لأنَّ ساعتها قد جاءت ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشِّدة لسبب الفرح لأنَّه قد ولد إنسان في العالم. فأنتم كذلك عندكم الآن حزن ولكني سأراكم أيضاً فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم". تُرى ما هو مصدر فرح التلاميذ؟ الإجابة: حضور الرب" ولكني سأراكم أيضاً، فتفرح قلوبكم." لا يمكن لأي شخص مسيحي مؤمن، أن يفرح فرحاً كاملاً، دون أن تكون له علاقة قوية بالرب يسوع، المعرفة عنه لا تُجدي، والعمل من أجله لا ينفع. لا بد أن تكون لنا معه علاقة شخصية وشركة قوية وحيوية وإلا ستصير المسيحية عبئاً وحملاً ثقيلاً لا يحمل فرحاً. في رسالته الأولى، كتب يوحنا الرسول قائلاً:" ونكتب إليكم هذا، لكي يكون فرحكم كاملاً." علينا أن نشارك الآخرين في شركتنا مع المسيح ليكون فرحنا كاملاً.
إذن، السبب الأول الذي من أجله تقودنا الصلاة إلى كمال الفرح هو، أنَّ الصلاة هي العمود الفقري لعلاقتنا مع المسيح، لأنَّه ليس هنا بالجسد معنا كي نراه، لكننا من خلال الصلاة، يمكننا التحدث معه كما لو أنَّه بالفعل هو هنا. في سكون الأوقات المقدسة، يمكننا سماع أفكاره وسكب أشواقنا أمامه. قد نجد في يو15: 7 أفضل ملخص لهذه العلاقة المزدوجة." إن ثبتم فيَّ وثبت كلامي فيكم، تطلبون ما تريدون فيكون لكم." عندما تثبِّت في أذهاننا كلمة الله، يمكننا سماع أفكار المسيح الحي، لأنَّه هو الأمس واليوم وإلى الأبد، ومن خلال هذا الاستماع العميق، تأتي لغة الصلاة التي يشتَّمها الرب كرائحة طيب عطر أمام عرش الله. إنَّ حياة الصلاة تقود إلى كمال الفرح، لأنَّ الصلاة هي العصب المركزي، لعلاقتنا الحيوية الحية مع الرب يسوع المسيح.
أما السبب الثاني، الذي يجعل صلاتنا تُنتج فرحاً كاملاً، هو لكونها تمنحنا القوة لفعل ما نحب فعله، لأننا لا نقدر أن نفعل أمراً، لولا معونة الله. الآية تقول:" اطلبوا" أنتم " ستأخذون" ليكون فرحكم كاملاً. العلاقة والعِشرة مع الرب، أمر أساسي للحصول على الفرح، لكن، هناك أمر آخر ممزوج به، شيء ما يدفعنا للخارج لنشارك حياته مع الآخرين. المسيحي المؤمن لا يمكنه أن يكون فَرِحاً وبخيلاً في الوقت ذاته، لأنَّه مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ، ومن ثَم، السبب الثاني في كون حياة الصلاة تقودنا إلى الفرح هو أنَّها تمدنا بالقوة لنحب. لو جفت في يوم ما، مضخة محبتك، اعلم بأنَّ ماسورة صلاتك لم تصل بعد، إلى العمق الكافي.
الخلاصة: الكتاب المقدس، يُعلمنا بوضوح تام، بأنَّ الهدف من كل ما نفعل، هو تمجيد اسم الله، لكنَّه يعَّلمنا أيضاً، بأنَّنا في كل ما نفعل، يجب أن نطلب فرح الله، الفرح الكامل. بعض اللاهوتيين، حاولوا الفصل، بين هذين المسارين بطرح أسئلة كهذه: هل أنت على استعداد، لأن تكون عابثاً من أجل مجد الله؟ ومن قال بأنَّ الكتاب المقدس يجبرنا أصلاً على الاختيار بين مجد الله وفرحنا. في الحقيقة، إنَّه يمنعنا من محاولة الاختيار في هذا الأمر، هذا ما رأيناه في إنجيل يوحنا، لأنَّ الصلاة- ربما بشكل واضح، أكثر من أي شيء آخر- تحمل في مضمونها الوحدة بين هذين الطلبين معاً. طلب الفرح بقوة في العلاقة والعشرة والشركة مع المسيح، لدرجة تجعلنا نشارك حياته مع من حولنا، وطلب مجد الله والتعامل معه كرصيد رجائنا. في الصلاة، نحن نُقر ونعترف بفقرنا وبغنى الله. نقر بإفلاسنا وبهبات الله. نقر بتعاستنا وبرحمة الله، لذلك هي" أي الصلاة" التي تعظم جداً الله وتمجده لأبعد درجة ممكنة، لأننا فيها نطلب كل شيء نشتاق إليه فيه هو، لا في أنفسنا. " اطلبوا، فتنالوا، ليتمجد الآب في الابن، وليكون فرحكم كاملاً".
خطة الصلاة
في الختام، سأقدم لكم نصيحة مخلصة، وهي- إن لم أكن مخطئاً- واحدة من أهم الأسباب التي تجعل أولاد الله، لا يتحلون بحياة متميزة للصلاة، ليس لكوننا لا نطلبها، بل لأننا لا نخطط أبداً لها. فعلى سبيل المثال، لو أردت أخذ إجازة من عملك، لأربعة أسابيع، لن تستيقظ في صباح أحد أيام الصيف وتقول" هيا، دعونا ننطلق اليوم". لماذا؟ لأنَّه لن يكون هناك أي مكان تنطلق إليه، لأنَّك لم تُعد مسبقاً أي أمر أو شيء لرحلتك، لن تعرف أبداً إلى أين أنت ذاهب، لأنَّك لم تخطط لفعل شيء. هذا في الواقع، ما يقوم به الكثير منا، خاصة عندما يتعلق الأمر بموضوع الصلاة، لأننا نستيقظ يوماً بعد يوم عالمين ومدركين بأنَّ هناك أوقاتاً خاصة ومتميزة للصلاة، عليها أن تكون جزءً من حياتنا، إلا أننا لا نُعد أو نخطط لها شيئاً، ولا نعرف ما هو هدفنا فيها ولا إلى أين سنذهب أو سنصل، لأننا ما خططنا لشيء لا لزمان ولا لمكان ولا لترتيبات معينة. وأنت معي، في أنَّ عدم التخطيط، لا يقود إلى خبرات عميقة واختبارات متدفقة تحققها الصلاة، لأنَّ ما نفعله في الواقع هو مجرد روتين. إن لم تخطط لإجازتك، على الأرجح سينتهي بك المطاف إلى قضاء هذه الإجازة في المنزل أمام التلفاز. إن عدم التخطيط في الحياة الروحية، يقودنا نحو الانحسار والهبوط إلى أقل قدر من الحيوية، لأنَّه يوجد سباق علينا الاشتراك فيه وحرب علينا خوضها، إن أردنا حياة متجددة في حياة الصلاة، علينا ببساطة التخطيط لها.
لذا، نصيحتي البسيطة هي: خصص عشر دقائق اليوم، لتعيد التفكير في أولوياتك وإضافة الصلاة على جدول أعمالك اليومي. اعقد نية جادة وجدية، ادخل في اختبار جديد مع الرب، حدد الزمان والمكان والجزء الكتابي موضوع التأمل لإرشادك. كان عليَّ أنا أيضاً فعل ذلك دون استسلام لضغوط هذه الأيام المكدسة بمشغوليات الحياة، نحن جميعاً بحاجة إلى إجراءات تصحيحية في منتصف الطريق. اجعل هذا اليوم، نقطة تحول في حياتك نحو الصلاة، لمجد الله ولفرحك الكامل.