موقع الزَّواج في قالَب اللذَّة المسيحيَّة
21 خَاضِعِينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ فِي خَوْفِ اللهِ. 22 أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ، 23 لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدِ. 24 وَلكِنْ كَمَا تَخْضَعُ الْكَنِيسَةُ لِلْمَسِيحِ، كَذلِكَ النِّسَاءُ لِرِجَالِهِنَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ. 25 أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا، 26 لِكَيْ يُقَدِّسَهَا، مُطَهِّرًا إِيَّاهَا بِغَسْلِ الْمَاءِ بِالْكَلِمَةِ، 27 لِكَيْ يُحْضِرَهَا لِنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً، لاَ دَنَسَ فِيهَا وَلاَ غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ، بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ. 28 كَذلِكَ يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ. مَنْ يُحِبُّ امْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ. 29 فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا الرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ. 30 لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ. 31 «مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ، وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا». 32 هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ، وَلكِنَّنِي أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ الْمَسِيحِ وَالْكَنِيسَةِ. 33 وَأَمَّا أَنْتُمُ الأَفْرَادُ، فَلْيُحِبَّ كُلُّ وَاحِدٍ امْرَأَتَهُ هكَذَا كَنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلْتَهَبْ رَجُلَهَا.
التَّعليم اللاهوتيّ عن الزّواج بدأه الرّسول بولس بكلمة الله، كلمة الله الّذي هو يسوع المسيح، وكلمة الله هي العهد القديم الموحى به مِن الله. وحيث أنّ إلهنا ليس إله تشويش فكلمته مُترابطة ومُتماسكة كوحدة واحدة. لِذا عندما أراد بولس أن يَفهم أمر الزّواج نظر إلى يسوع وإلى المكتوب. وعندما يستَحضِر أمامنا شخص المسيح والمكتوب معاً لنسمع كلمة الله عن الزّواج، نَجِدُ سِرّاً عظيما ً بجَوانِبه ومَضامينِه العمليّة بشكل عميق.
ما أَوَدُّ الآن أن أفعَلَه معك عزيزي القارىء، هواكتشاف مَضامِين وأسرار هذا الزَّواج وتطبيق مضمونَين عمليَّين على حياتنا.
الزّواج كما ورد في سِفر التّكوين:
أفسس 5: 31 هو اقتِباس مِن تكوين 2: 24: "لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَ يَكُونَانِ جَسَداً وَاحِداً". ثُمّ أضاف بولس في العدد 32: "هَذا السِّرُّ عَظِيمٌ وَلَكِنَّني أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ المَسِيحِ وَالكَنِيسَةِ". لقد عرف بولس شيئاً ما عن المسيح والكنيسة مِمّا جعلَه يرى في تكوين 2: 24 سِرّاً عظيماً. وانظُر عن قُرب أكثر للإطار العام لهذا العدد وعلاقته بالخَلْق.
بحسب ما جاء في تكوين 2، الله خلق آدم أوّلاً ثُمّ وضَعه في الْجنّة، ثُمّ جاء عدد 18: "وَقالَ الرَّبُّ الإِلهُ لَيْسَ جَيِّداً أَنْ يَكونَ آدَمُ وَحْدَهُ فَأَصْنَعُ لَهُ مُعِيناً نَظِيرَهُ". أنا لا أعتقد أنّ في هذا الكلام غُباراً على علاقة الأُلفَة بين الله وآدم، ولا يدلّ على أنّه كان مِن الصّعب عليه (آدم) الاعتناء بالْجنّة بمُفرده. إنّ بيتَ القَصيد هو أنّ الله خلق الإنسان ليكون "مُشارِكاً". إنّ الله لم يخلقنا لنكون فقط المحطّة النّهائيّة لنِعمَته وهِباته، بَل لنُشارِك بها ونوصِلها لآخَرين. لا أحد يمكن أن يكون كاملاً لَو لم يُشارِك النِّعمة ويوصِلها (مثل عمل الكهرباء) بين الله وشخص آخَر. ( لا يجب أن يُفهَم مِن هذا أنّ ما أقصده يقتصر في حدوثه بهذه الطّريقة على الزّواج). هو أمر يجب أن يحدث مع إنسان آخَر أيضاً، وليس حيوان. في تكوين 2: 19-20، خلق الله الحيوانات قبل آدم ليُريه أنّ الحيوانات لا يُمكنها أبداً أن تكون "مُعيناً نظيره". نعم الحيوانات تُساعد كثيراً، لكن الإنسان هو الوحيد الذي يَرِث نعمة الحياة (1 بطرس 1: 4-7). الإنسان فقط هو الذي يستقبل ويُقدِّر ويتمتّع بهذه النِّعمة. الإنسان بحاجة إلى إنسان نظيره ليُشارِك معه مَحبّة الله. الحيوانات لا تفعل ذلك.
ومِن ثُمّ، حسب عدد 21، 22: "فَأَوْقَعَ الرَّبُّ الإِلهُ سُبَاتاً عَلَى آدَمَ فَنَامَ. فَأَخَذَ وَاحِدَةً مِنْ أَضْلاعِهِ و مَلأَ مَكَانَهَا لَحْماً. وَبَنَى الرَّبُّ الإِلهُ الضِّلْعَ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْ آدَمَ امْرَأَةً وَأَحْضَرَها إِلى آدَمَ". بعدما رأى آدم أنّه لا يقدر أنْ يَجِدَ مُعيناً نظيره بين الحيوانات، صنَع الله هذا المُعين مِن لَحْم هذا الإنسان الأوّل ومِن عَظْمه ليصير مثله، وإن كان لا يُشبهه في كُلّ شيء حيث أنّه لَمْ يَخْلِق ذَكَراً مثله، ولكن امرأة. ووَجد آدم فيها نِعْمَ المُعين. وبالطَّبع الأمر بِرُمَّتِه اختلف عن معرفته بالحيوانات. "فَقَالَ آدَمُ هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي ولَحْمٌ مِنْ لَحْمِي هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنَّها مِنْ امْرِءٍ أُخِذَتْ". ع 23.
بِخَلْقِ إنسانٍ مثل آدم لكنّه لا يُشبِهه في كُلّ شيء، يكون الله مَنَح إمكانيّة الاتّحاد الذي كان مِن المستحيل له أنْ يتحقّق بغير ذلك. نوع مُختلِف مِن الاتّحاد يستمتِع بارتباط أجزاء مُختلِفة أكثر مِن استِمتاعه بارتباط شيئَين مُتماثلَين. حينما نُغنّي جميعاً لَحناً واحداً وبمُستوى صَوتٍ واحدٍ يُسمّى هذا "توحيد مستوى الصّوت"، أو "صوت واحد". أمّا عندما نُوحِّد اختلافات مستوى أصواتنا: مِن "سوبرانو"، "آلتو"، "تِنور"، "بْيز"، أي الأعلى والمُنخفِض والعميق والرّفيع، يُسمّى هذا الاختلاف لَو أُحسِنَ عَمَلاً، "تناغُم" أو harmony. عندئذٍ كُلّ مَن له أذن للسّمع يعرف أنّ شيئاً ما عميقاً يتأثّر تأثُّراً بالغاً، بهذا التّناغُم والانسجام أكثر من توحيد النّغَمات والأصوات. لِذا خَلَقَ الله امرأةً، ولَم يَخلِق رَجُلاً آخَر. لقد خَلَقَ "اختلافَ الْجِنس"، ولَيس "المِثليّة الْجِنسيّة".
لاحِظ الارتباط بين عددَي 23 و24، واستِهلال عدد 24 بكلمة "لذلك". انْصَبَّ تركيز عدد 23 على شيئَين: بصِفة موضوعيّة، حقيقة أنّ المرأة جزء مِن جسد الرَّجُل وعَظْمه. وبصِفة شخصيّة، وَجد آدم فَرحة خاصّة في المرأة. "فَقَالَ آدَمُ هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي". مِن هذَين العددَين، يَصِلُ الكاتب إلى خُلاصة الأمر عن الزّواج فَفي العدد 24 "لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَ يَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَداً وَاحِداً". بتَعبيرٍ آخَر، في البَدء خَلَقَ الله المرأة مِن عَظْمٍ مِن عِظام الرَّجُل ومِن لَحْمٍ مِن لَحْمِه، ثُمّ قدَّمَها إلى الرَّجُل ليكتشف فيها "أُلفَة حيّة"، وهذا هو ما يَعنيه جسداً واحداً. ثُمّ يأتي عدد 24 ليحوي درساً عن الزّواج مَفاده أنّ: الرَّجُل يترك أباه وأمّه لأنّ الرّبّ أعطاه امرأته التي يتعلّق بها ولا أحد سِواها، ليختبر معها وحدانيّة الْجَسد. هذا هو ما استخلَصَه بولس عندما تأمّل كلمة الله في الوحي المقدّس.
مفهوم الزَّواج:
إنّ بولس الرّسول عَرَفَ كلمة الله مِن خلال يسوع المسيح الذي عرفه جيّداً وبِعُمق. وعَرِفَ مِنه أنّ الكنيسة هي جسد المسيح (أَفَسُس 1: 23). ينضمُّ الشّخص المؤمن إلى جسد المسيح بعد إيمانه، ولهذا نحن جميعاً "واحدٌ في المسيح يسوع". (غلاطية 3: 28) . المؤمنون بالمسيح هُم جسد المسيح. أي نحن الأعضاء ومِن خلالِنا تظهر حياته فينا ويسكن روحه داخلنا. بمعرفته هذه العلاقة التي بين المسيح والكنيسة، يرى بولس علاقة مُتوازِية أيضاً في الزّواج، حيث يرى أنّ الزّوج والزّوجة صارا جسداً واحداً (حسب تكوين 2: 24) والمسيح والكنيسة أيضاً جسداً واحداً. لِذا أراد أن يقول للكنيسة على سبيل المثال في 2 كورنثوس 11: 2: " فَإنِّي أَغَارُ عَلَيْكُمْ غَيْرَةَ اللهِ لأنّي خَطَبْتُكُمْ لِرَجُلٍ وَاحِدٍ لأُقَدِّمَ عَذْرَاءَ عَفِيفَةً لِلَمَسيحِ". لقد صوَّر المسيح كعَريسٍ، والكنيسة كعَروسٍ، وعَمَلُ الإيمان كَحَدَثِ الخُطوبة الذي قادَهم له. أمّا تقديم العَروس لزوجها ففي الغالِب سيحدث بالمَجيء الثّاني للرَّبّ، وهذا وُصِفَ بالفِعل في أفَسُس 5: 27. لِذا يبدو أنّ بولس يستخدم علاقة الزّواج الآدَميّ التي تعلَّمَها مِن تكوين 2، لِيَصِفَ ويشرح العلاقة بين المسيح والكنيسة .
إلاّ أنّنا عندما نقول هذا وكأنّ شيئاً ما مُهمّاً يمرُّ مرور الكِرام. دعونا نعود إلى ما بدأنا به في أَفسُس 5: 32، وبعد الرُّجوع أيضاً إلى تكوين 2: 24 عن الرَّجُل والمرأة اللذَين صارا جسداً واحداً، يقول بولس: "هذَا السِّرُّ عَظِيمٌ وَلَكِنَّني أَنَا أَقُولُ مِنْ نَحْوِ المَسِيحِ وَالكَنِيسَةِ". الاتِّحاد المُدهِش بين الرَّجُل والمرأة في الزَّواج هو سِرٌّ عظيمٌ لَم يستطِع أحدٌ حتّى الآن أن يكتشف أبعاده كلَّها. يوجد الكثير هنا ليُقال، ما هو إذن؟ أعتقد أنّه الآتي: الله لَم يُوجِد وِحدانيّة المسيح والكنيسة بَعْدَ نموذج وِحدانيّة الرَّجُل والمرأة، بل العكس تماماً، هو خَلَقَ نموذج الوِحدانيّة الآدَمِيّة الإنسانيّة على نموذج وِحدانيّة المسيح بالكنيسة. النَّموذج المذكور في تكوين 2: 24 يَصِف الزَّواج كَمَثلٍ لنموذج علاقة المسيح بشعبه. الله لَم يفعل الأشياء هَباءً، بل كُلّ شيء عنده له معنى وهدف. عندما يتدَّخل الله ليَخلُقَ الرَّجُل والمرأة ويُقدِّس وِحدانيّة الزَّواج، لَم يَقُمْ بهذا كَنَوْعٍ مِن ضربَة حَظّ أو رَميَةِ حجرِ نَرْد، أو عمل قُرْعَة ما، حاشا، بل تعمَّدَ الله تصميم نموذج العلاقة البشريّة بعد العلاقة بينه وبين كنيسته، وهذا صُمِّم منذ الأزَل. ولهذا يُعَدُّ معنَى هذا النَّموذج مِن العلاقات البشريّة في الزَّواج سرّاً، لأنّه يتضمّن ما هو أبعد وأعمق مِمّا نراه مِن الخارج. ما عمله الله للاتِّحاد في علاقة الزَّواج البشريّ هو انعكاسٌ للوحدة بين ابن الله وعروسه وهي الكنيسة. المُتزوِّج مِنّا يجب أن يتأمَّل جيّداً في عَظَمَةِ سِرّ مَنْحِ الله لَنا هذا الامتياز، وهو أن نعكس بزواجنا علاقة إلهيّة سامِية جدّاً، هي أعظم وأكبر مِنّا.
صورة العلاقة بين المسيح والكنيسة:
والآن، ما هي بعض التّطبيقات العمليّة لمفهوم الزّواج؟. سأذكُر اثنَين، أعتقد أنّهما الأكثر وضوحاً في قراءة أفَسُس. التّطبيق الأوّل، هو أنّ الزَّوج والزَّوجة يجب أنْ يتمثَّلا تماماً بعلاقة المسيح بالكنيسة وِفقاً للقصد الإلهيّ. التّطبيق الثّاني، أنّه في الزّواج يجب على كُلّ طرف أنْ يسعى ليَجِد سعادته في إسعاد الطَّرف الآخَر، وهكذا يصبح الزَّواج في إطارِ قالَب اللذّة المسيحيّة.
أوّلاً، ما الذي قصده الله للأزواج والزَّوجات حينما قدَّس الزَّواج وجَعَلَه مِثالاً يعكس العلاقة بين المسيح وكنيسته؟. ذكر بولس شيئَين هنا، أحدهما للأزواج، والآخَر للزّوجات. قال للزّوجات في الأعداد من 22 -24:
أَيُّها النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ. لأنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ المَرْأَةِ كَمَا أَنَّ المَسِيْحَ أَيْضاً رَأْسُ الكَنِيسَةِ وَهُوَ مُخَلِّصُ الْجَسَدَ. وَلكِنْ كَمَا تَخْضَعُ الكَنِيْسَةُ لِلْمَسِيحِ كَذلِكَ النِّسَاءُ لِرِجَالِهِنَّ فِي كُلِّ شَيءٍ.
بِناءً على النَّموذج الإلهيّ، على الزّوجات أنْ يَقُمْنَ بِدَورِهِنَّ الفريد الذي تقوم به أيضاً الكنيسة. ولأنّ الكنيسة تخضع للمسيح، على الزَّوجات أن يخضَعْنَ لِرِجالِهِنَّ. الكنيسة تخضع للمسيح لأنّه رأسها، في عدد 23 "لأنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسٍ المَرْأَةِ كَمَا أنَّ المَسيْحَ أيضاً رَأْسُ الكَنيسَةِ". موضوع الرَّأس يتضمَّن شيئَين: المسيح المُعضِّد المُعطي أو المُخلِّص، ثُمّ المسيح السُّلطة أو القائد. كلمة "الرَّأس" ذُكِرَت في موضوعَين آخَرين في رسالة أفَسُس أحدهما في أفَسُس 4: 15، 16 وهُنا الرَّأس يعني المُعضِّد المُعطي، أمّا في أفَسُس 1: 20 -23 يعني السُّلطة.
بَلْ صَادِقِينَ فِي المَحَبَّةِ نَنْمُو فِي كُلِّ شَيءٍ إِلى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ المَسِيحُ. الَّذِي مِنْهُ كُلُّ الْجَسَدِ مُرَكَّباً مَعاً وَمُقْتَرِناً بِمُؤَازَرَةِ كُلِّ مَفْصَلٍ حَسَبَ عَمَلٍ على قِيَاسِ كُلِّ جُزءٍ يُحَصِّلُ نُمُوَّ الْجَسَدِ لِبُنيانِهِ فِي المَحبَّةِ (4: 15، 16).
الرَّأس هو الهدف الذي ننمو مِن أجله، وهو المُعضِّد لنا ليُمكِّننا مِن النّمُوِّ أصلاً. تأمَّل أيضاً ما جاء في أفسُس 1: 20 -23.
الَّذي عَمِلَهُ في المَسيحِ إذْ أَقامَهُ مِنَ الأَمواتِ وَأَجلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّماوِيَّاتِ. فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَ سُلْطانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ وَكُلِّ اسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ في هذا الدَّهْرِ فَقَط بَلْ في المُستَقبَلِ أيضاً. وَأخضَعَ كُلَّ شَيءٍ تحتَ قَدَمَيْهِ وَإيَّاهُ جَعَلَ رَأساً فَوقَ كُلِّ شَيءٍ لِلكَنيسَةِ. الَّتي هِيَ جَسَدُهُ مِلءُ الَّذي يَملأُ الكُلَّ في الكُلِّ.
حين أقام الله المسيح مِن الأموات، جَعَلَه الرّأس مِن ناحِيَةِ أنّه أعطاه القُوّة والسُّلطة على كُلِّ رِياسَةٍ وسُلطانٍ وقُوَّةٍ وسِيادَةٍ. لذلك، وبِناءً على ما جاء في أفَسُس، فإنّ الرّأس يتضمَّن قبول مسؤوليّة تسديد احتياجات الْجسد ( أي الزَّوجة بِما يشمل الاحتياجات الماديّة وأيضاً العِناية والحِماية)، وعليه أيضاً أنْ يقبَل مسؤوليّة أكبر مِن ناحية السُّلطة والقِيادة لعائلته .
وعندما يقول في عدد 24 "ولَكِنْ كَمَا تَخضَعُ الكَنيسَةُ لِلمَسيحِ كَذلِكَ النِّساءُ لِرِجَالِهِنَّ في كُلِّ شَيءٍ". إنّ المَعنى الأساسي للخُضوع هنا: تقدير واحتِرام للمسؤوليّة الأعظم لزَوجِكِ لإمداده بالحِماية والرِّعاية لكِ. كُوني مُقتَنِعة بالخُضوع له في المسيح واتَّبِعي قيادته. إنّ السَّبَب الذي مِن أَجْلِه أقول إنَّ الخُضوع يَعني "الاقتناع"، و"المَيل" نحو التَّبَعيَّة، هو هذه الْجُملة الصّغيرة في عدد 22 "كَمَا للرَّبِّ" التي تَحُدُّ أيضاً مَجال الخُضوع. لا ينبغي لأيِّ زوجة على الإطلاق أنْ تستَبدِل خُضوعها للرَّبّ بخُضوعها لزوجها، أي لا يُمكنها أنْ تخضع لَه أو تَتبَعه نحو الخطيّة. إلاّ أنّه حتّى عندما تقف زوجة مؤمنة بجِوار المسيح وتُجاهِد أمام رَغَبات شِرِّيرة وخاطِئة لزوجها، يُمكنها أنْ تبقى وتتخلَّى بِرُوح الخُضوع. يُمكنها بسُلوكها أنْ تُظْهِر أنّها لا تُحِبذُ أن تُقاوِمه وتتحدّاه، بَل هي تتوق لأنْ يتخلَّى عن الخطيّة ويُقتادَ للبِرّ، وبذلك اقتناعها ومَيلها لإكرامه كرَأسٍ يُمكنه أنْ يُحدِثَ انسجاماً مرَّة أُخرى. ولِذا، في هذا المَثَل المُتعلِّق بالزَّواج، على المرأة أنْ تأخُذَ خُلاصَة رسالتها مِن غرض الله مِن الكنيسة في علاقتها مع المسيح.
والآن، للزَّوج قال بولس، خُذ أنتَ أيضاً العِبَرَ مِن المسيح، ففي عدد 25 "أَيُّهَا الرِّجالُ أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ المَسيحُ أيضاً الكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا". إذا كان الزَّوج هو الرَّأس بحسب ما جاء في عدد 23، فدَعونا نُوضِّح هذا جيِّداً لجميع الأزواج، أنّ هذا يَعني إظهار وإثبات مَحبَّة مِن نَوعٍ خاصٍّ تصل حتّى إلى التَّضحِية بالحياة. كَما قال المسيح في لوقا 22: 26: "بَلِ الكَبِيرُ فِيْكُمْ لِيَكُنْ كَالأَصْغَرِ وَالمُتَقَدِّمُ كَالخَادِمِ". إنّ الزَّوج الذي يُلقي بنَفْسِه أمام التِّلفاز ويظلُّ يُلقي بأوامره لزوجته كعَبدَة لَه وهو مُسترخٍ تماماً، يكون قد تخلَّى عن المسيح مِن أجل مُمَثِّلٍ أو مُمَثِّلة ما. المسيح أخذَ مِنشَفة واتَّزَرَ بها وغَسَلَ أرْجُلَ التّلاميذ ومَسَحَها بالمِنشَفة التي كان مُتَّزِراً بها. إذا أردت أن تصير زوجاً مسيحيّاً مؤمِناً، تمثَّل به ولا أحد سواه.
حقّاً، إنّ العدد 21 يضع هذا الْجُزء بِرُمَّتِه تحت عنوان "خضوعٌ مٌتَبادَلٌ"، خاضِعينَ بعضُكم لبَعضٍ في خَوفِ الله. إلاّ أنّ هذا لا يعني أبداً أنّ الطّريقة التي أَخضَعَ المسيح بِها ذاته للكنيسة، هي عينُها التي أخضَعَتْ الكنيسة نفسَها للمسيح. الكنيسة خَضَعَتْ للمسيح باقتِناعها بقيادته والمسيح خضع للكنيسة لاقتناعه بممارسة دور القيادة في مَحبَّة وتواضُع. حينما قال المسيح: "بَلْ الكَبِيرُ فِيكُمْ لِيَكُنْ كَالأَصْغَرِ وَالمُتَقَدِّمُ كَالخَادِمِ". لَم يَقُلْ دَعِ القائد يتوقَّف عن دَور القِيادة، لأنّه حتّى عندما كان يَغْسِل أَرْجُل التّلاميذ لَم يشُكّ أحَدٌ أبداً بأنّه مازال هو القائد. ولا أحَدٌ يشُكُّ أيضاً في زَوجٍ مُؤمِنٍ لا يتهرَّب مِن مسؤوليَّته، بَل يَستعين بالرَّبِّ ويُقدِّم مَعونة مَعنويّة وقِيادة روحيّة كخَادِمٍ مُتَّضِعٍ لزوجته وعائلته.
هكذا، إنّ المضمون الأوّل لمفهوم الزّواج كانعِكاسِ علاقة المسيح بالكنيسة هو أنّه على الزَّوجات أنْ يَأخُذْنَ العِبرة والقُدوة مِن الكنيسة، وعلى الأزواج أنْ يأخذوا العِبرة والقُدوة مِن المسيح. وأينما تَجِدُ زواجاً مثل هذا، ستَجِدُ أسعدَ زَوجَين في العالَم بأسره، لأنّ حياتَهما تتوافَق مع كلمة الرَّبِّ في الوَحي المقدّس، وكلمة الرَّبِّ في يسوع المسيح.
السَّعادة في إسعاد الآخَرين:
مَضمونٌ أخيرٌ وعَمَليٌّ لمفهوم الزَّواج: على الزَّوج والزَّوجة معاً أنْ يَطلُبا سعادتهما في إسعاد كُلِّ طَرَفٍ للآخَر. رُبّما لا يوجد مقطع في الكتاب المقدّس لِطَلَبِ السّعادة مثل ما جاء في أفسُس 5: 25 -30. هذا المقطع يُوضِّح وضوحاً جيّداً أنّ التّعاسة التي نراها الآن في بعض الزِّيجات ليست لأنّ الأزواج والزَّوجات يَطلُبون سعادتهم الشّخصيّة، بَلْ لأنّهم لا يطلُبونها في شُرَكاء حياتهم. مع أنّ هذا النّصَّ يأمرنا أنْ نفعل مِثلَما فَعَلَ المسيح تماماً.
أوّلاً، تأمَّل مَثَلَ المسيح في الأعداد مِن 25 -27 :
أَيُّها الرِّجالُ أَحِبُّوا نِساءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ المَسيحُ أَيضاً الكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا. (لماذا فعل َهذا؟)، "لِكَيْ يُقدِّسَها مُطَهِّراً إيَّاها بِغَسْلِ الماءِ بالكَلِمَةِ". (لماذا يُطهِّرها؟)، "لِكَيْ يُحْضِرَها لنَفْسِهِ كَنِيسَةً مَجِيدَةً لا دَنَسَ فِيهَا و لا غَضْنَ أَوْ شَيْءٌ مِنْ مِثْلِ ذلِكَ بَلْ تَكُونُ مُقَدَّسَةً وَبِلاَ عَيْبٍ.
لقد مات المسيح مِن أجل الكنيسة لكي يُحضِرها إلى نَفْسِه كعَروسٍ جميلة، واحتمَلَ الصَّليب مِن أجل سُرور الزَّواج الموضوع أمامه. ما غايَة السَّعادة للكنيسة إذن؟. ألَيسَ في أنّها سُتحضَر كعَروسٍ غالِيَة إلى المسيح السّيِّد؟. لِذا سعى المسيح في طلب سعادته وسُروره في إسعاد الكنيسة. لِذا أيضاً، المِثال الذي قدَّمَه المسيح للأزواج يَحُثُّهم على طلب السَّعادة في إسعاد زوجاتهم.
في العدد 28 يُوضِّح هذا التّعليم بقوله: "كَذلِكَ يَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُحِبُّوا نِسَاءَهُمْ كَأَجْسَادِهِمْ. مَنْ يُحِبُّ امْرَأَتَهُ يُحِبُّ نَفْسَهُ. فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ". إذاً بولس يُقِرُّ هنا أنَّ أحد الرَّكائز الأساسيّة للسَّعيِ نحو السَّعادة الشَّخصيّة مِن مَنظور المسيحيّة هو، "لا أحَدٌ يُبغِض جسده". حتّى أولئك الّذين يَنتحِرون، هُم يفعلون ذلك للهَرَب مِن البُؤس والتّعاسة. لكن بحسب الطّبيعة نحن نُحِبُّ أنفُسَنا، ونفعل في لَحظَةٍ بِعَينِها ما نتخيَّلُ أنّه يَجلُب السّعادة لَنا. وبولس لا يَبني سَدّاً مَنيعاً أمام نَهْرِ تَدَفُّقِ طلب السَّعادة، هو فقط يَبني قَناةً لذلك، فهُو يقول بِما معناه: أيُّها الأزواج والزَّوجات عليكم أنْ تعرفوا أنّه في الزّواج صِرْتُم جسداً واحداً، لِذا إذا عِشْتَ لِذَاتِك ولِسَعادَتِك الشّخصيّة على حِساب شَريك حياتك، فستَحيا ضِدَّ نَفْسِك وتُحطِّم أكبر سعادة كُنتَ ستحصل عليها. أمّا إذا كَرَّسْتَ نَفْسَكَ بكُلِّ قلبك لفَرَحٍ مُقدَّسٍ تجاه شَريك حياتك، ستَحيا أنتَ أيضاً في فَرَحٍ عَارِمٍ وستجعَل زواجك بِحَسَبِ صورة المسيح وعلاقته بالكنيسة.
إنّي أعلَم أنّ اختباري الشّخصيّ لَن يُضيف شيئاً أكثر مِن كلمة الرَّبِّ ذاتِها، ومع ذلك أُريد فقط أنْ أُقدِّم شَهادة على أيِّ حال. لقد اختبَرْتُ اللذَّة المسيحيَّة في العام ذاتِه الذي تزَّوجْتُ فيه وهو عام 1968. لقد ظَلَلْنا أنا ونويل طيلة 15 عام نستهدف بقَدْرِ الإمكان أعمقَ وأبقى سَعادةٍ وفَرَحٍ مُمْكِنٍ. لقد كُنّا نتَصيَّد السَّعادة ونسعى إليها بكُلّ طاقتِنا، كُلٌّ مِنّا في إسعاد الآخر. ويُمكِننا أنْ نَشهَد معاً بأنّ كُلاًّ مِنّا يحصل على جائزته، ونؤمن بأنّه عندما نجعل زواجنا في قالَب اللّذَّة الحقيقيّة مِن مَنظور المسيحيّة، فإنّ كُلاًّ مِنّا يُتمِّمُ دَورَه المُخصَّص لَه في علاقة الزَّواج بِحَسَبِ ما جاء في تشبيه العلاقة بين المسيح والكنيسة، ويصيرُ إعلاناً لِمَجْدِ المسيح العظيم. آمين.